حيلة أبي كعب القاص :[ من كتاب الحيوان للجاحظ ج3 ص24 ط.عبد السلام هارون].
[[ تعشى أبو كعب القاص بطفشيل- وهو نوع من المرق- كثير اللوبيا ، وأكثر منه ، وشرب نبيذ تمر، وغلّس إلى بعض المساجد ليقص على أهله ، إذْ انفتل - انصرف - الإمام من الصلاة فصادف زحاما كثيرا ، ومسجدا مستورا بالبواري - الحصر المنسوجة - من البرد والريح والمطر ، وإذا محراب غائر في الحائط ، وإذا الإمام شيخ ضعيف ، فلما صلى استدبر المحراب وجلس في زاوية منه يسبح ، وقام أبو كعب فجعل ظهره إلى وجه الإمام ووجهه إلى وجوه القوم ، وطبق وجه المحراب بجسمه وفروته وعمامته وكسائه ، ولم يكن بين فَقحته- دبره - وبين أنف الإمام كبير شيء ، وقص وتحرك بطنه ، فأراد أن يتفرج بفسوة وخاف أن تصير ضراطا ! ، فقال في قصصه : قولوا جميعا : لا إله إلا الله وارفعوا بها أصواتكم ! ، وفسا فسوة في المحراب ، فدارت فيه وجثمت على أنف الشيخ واحتملها ، ثم كدّه بطنه فاحتاج إلى أخرى فقال : قولوا : لا إله إلا الله وارفعوا بها أصواتكم ! ، فأرسل فسوة أخرى فلم تخطِئ أنف الشيخ ، واختنقت في المحراب ، فخمّر الشيخ أنفه ، فصار لا يدري ما يصنع ، إن هو تنفس قتلته الرائحة ، وإن هو لم يتنفس مات كربا ؛ فما زال يُداري ذلك ، وأبو كعب يقص ، فلم يلبث أبو كعب أن احتاج إلى أخرى ؛ وكلما طال لُبثُه تَوَلّد في بطنه من النفخ على حسب ذلك ، فقال : قولوا جميعا : لا إله إلا الله ، وارفعوا بها أصواتكم ! ؛ فقال الشيخ من المحراب - وأطلع رأسه وقال- : لا تقولوا ! لا تقولوا ! قد قتلني! إنما يريد أن يفسو !! ثم جذب إليه ثوب أبي كعب وقال : جئت إلى ها هنا لتفسو أو تقص؟!
فقال : جئنا لنقص ، فإذا نزلت بلية فلابد لنا ولكم من الصبر !! فضحك الناس ، واختلط المجلس]].