القصة التي تروى أن الشاعر كان بدوياً صحراوياً، وعندما قدم إلى بغداد لأول مرة آثر أن يبدأ عهده بمدح خليفتها المتوكل على عادة الشعراء فأنشده قصيدة منها:
أنتَ كَالكَلبِ في حِفاظِكَ لِلوُددِ
وَكَالتَيسِ في قِراعِ الخُطوبِ
أَنتَ كَالدَلوِ لا عَدِمناكَ دَلواً
مِن كِبارِ الدِلا كَثيرَ الذَنوبِ
الذنوب .. كثير السيلان بسبب امتلائه.
فعرف المتوكل كما تقول القصة حرفياً، حسن مقصده وخشونة لفظه، وأنه ما رأى سوى ما شبهه به، لعدم المخالطة وملازمة البادية، فأمر له بدار حسنة على شاطئ دجلة، فيها بستان حسن، والجسر قريب منه وأمر بالغذاء اللطيف أن يتعاهد به فكان - أى بن الجهم - يرى حركة الناس ولطافة الحضر، فأقام ستة أشهر على ذلك، والأدباء يتعاهدون مجالسته، ثم استدعاه الخليفة بعد مدة لينشده، فحضر وأنشد:
عُيونُ المَها بَينَ الرَّصافَةِ وَالجِسرِ
جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري
أَعَدنَ لِيَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن
سَلَوتُ وَلكِن زِدنَ جَمراً عَلى جَمرِ
سَلِمنَ وَأَسلَمنَ القُلوبَ كَأَنَّما
تُشَكُّ بِأَطرافِ المُثَقَّفَةِ السُمرِ
وَقُلنَ لَنا نَحنُ الأَهِلَّةُ إِنَّما
تُضيءُ لِمَن يَسري بِلَيلٍ وَلا تَقري
إلى آخرها....
فقال المتوكل: لقد خشيت عليه أن يذوب رقة ولطافة!.