المأمــون و المـرأة المتظلمــة
جلس المأمون يوما للمظالم فكان آخر من تقدم إليه ، وقد هم بالقيام امرأة عليها هيئة السفر ، وعليها ثياب رثة فوقفت بين يديه فقالت (السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته)فنظر المأمون إلى يحيى ابن أكثم فقال لها يحيى : وعليكم والسلام يا أمَة الله ، ،تكلميفي حاجتك ، فقالت :
يا خيرَ مُنتَصفٍ يُهدى له الرشد ***** ويا إماماً به قد أشرقَ البلـد
تشكـو إليـك عَميدَ القــــوم أرملـــةٌ ***** عدا عليها فلم يترك لها سبَد
وابتــــــزّ مِـنّي ضيــــــــــــاعـي مَنْعَــتِـــــــهــا ***** ظُلما وفرَّق مِنّي الأهل والولد
فأطرق المأمون حينا ثم رفع رأسه إليها وهو يقول :
في دون ماقلتِ زالَ الصَّبرُ والجَلَد ***** عني وأقرح مني القلب والكبِد
هذا أوان صلاة العصرِ فانصرِفي***** وأحْضِري الخصمَ في اليوم الذي أعِد
والمجلس السبت إن يُفضَ الجلوس لنا ***** نُنْصِفكِ منه و إلاّ المجلس الأحد
فلّما كان يوم الأحد جلس فكان أول من تقدم إليه تلك المرأة فقالت :
( السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ) فقال : وعليك السلام أين الخصم ؟ فقالت: الواقف على رأسك ياأمير المؤمنين ، وأومأت إلى العباس ابنه، فقال : يا أحمد بن أبي خالد خذ بيده فأجلسه معها مجلس الخصوم ، فجعل كلامُها يعلو كلام العباس. فقال لها أحمد بن أبي خالد يا أمَة الله إنك بين يدي أمير المؤمنين وإنك تكلمين الأمير فاخفضي من صوتك. فقال المأمون : دعْها يا أحمد ، فإن الحق أنطقها و أخرسه ، ثم قضى لها برد ضيْعتها إليها ، وأمر بالكتاب لها إلى العامل ببلدها أن يوفر لها ضيعتها ، ويحسن معونتها وأمر لها بنفقة .