قال الدارقطني: عن أبي الحسين بن عبد الرحيم الخياط قال: كنت جالساً عند أحمد بن الحسين فجاءته امرأة برقعة فيها مسألة، فقال لي: اقرأها علي
يا أبا الحسين، فقرأتها فإذا فيها: رجل قال لامرأته أنت طالق إن، ثم وقف عند إن، فقال لها: فما حال إن؟ قالت: لسن أعرف عند إن. فقال لي: أعد القراءة، فأعدت عليه كما قرأت أول مرة، فقال لها: فثم وقف عند إن هذه ولم يتم، قالت: لا والله ما أعرف وقف عند إن، قال: وكان في المسجد جماعة فقال لهم: أنظروا، فقرأوا كلهم كما قرأت، ثم تنبه بعضهم لذلك فقال: إنما هو: رجل قال لامرأته أنت طالق إن ثم وقف عند إن.
وعن طاهر الزهري قال: كان رجل يجلس إلى أبي يوسف فيطيل الصمت، فقال له أبو يوسف: ألا تتكلم؟ قال: بلى، متى يفطر الصائم؟ قال: إذا غابت الشمس، قال: فإن لم تغب إلى نصف الليل؟ فضحك أبو يوسف وقال: أصبت في صمتك وأخطأت في استدعائي لنطقك، ثم قال: الطويل:
عجبت لإزراء العيي بنفسه ... وصمت الذي كان بالصمت أعلما
وفي الصمت ستر للعيي وإنما ... صحيفة لب المرء أن يتكلما
وعن ابن خلف قال: كان رجل يعرف بالمسكي يدعي البصر بالبراذين، فنظر يوماً إلى برذون واقف، قد بلع رأس اللجام، فقال: العجب كيف لا يزرعه القيء، أنا لو أدخلت أصبعي في حلقي لما بقي في جوفي شيء، قال: قلت الآن علمت أنك بصير بالبراذين.
وعن علي بن مهدي قال: مر طبيب بأبي واسع فشكا إليه ريحاً في بطنه، فقال له: خذ الصعتر. فقال: يا غلام دواة وقرطاس، وقال: قلت ماذا أصلحك الله؟ قلت: كف صعتر ومكوك شعير، فقال: لم لم تذكر الشعير أولاً؟ قال: ما علمت أنك حمار إلا الساعة.
عن البحتري قال: قال لي السراج: منذ أربعين سنة لم أوتر خلافاً لمن يوجبها، قلت: أنظر إلى تغفيل هذا الرجل كيف ترك واجباً عند قوم، وسنة عند الأكثرين، وما يضر من أوجبها من تركه إياها.
عن محمد بن الحسن بن زياد عن بعض ولد أبي الشوارب وكان أحمق أن أباه أمره بتقيير حب فقيره من خارج، فقال له أبوه: ما هذا الفعل؟ قال: إذا شئت أن تقلبه فاقلبه. وحكي أن هذا المذكور قد احتلم ليلة في وقت بارد، وكره أن ينغمس في
الماء البارد وطلب شيئاً يسخن فيه الماء فلم يجد، فنزع ثوبه وعبر النهر سباحة حتى استعار شيئاً يسخن فيه الماء ورجع سباحة ثم سخن فيه واغتسل.
وذكر ابن حبيب أن أخاً لعثمان بن سعيد سقط في البئر، فقال أخوه: أنت في البئر؟ قال: أما تراني! قال: لا تذهب حتى أجيئك بمن يخرجك.
قال ابن خلف: وقيل لهبيرة لما ماتت امرأته: اندبها، اذكرها بشيء، قال: يا فلانة رحمك الله، لقد كان بابك مفتوحاً ومتاعك مبذولاً.
وقال: أخبرني بعض أصحابنا، قال: أراد ناجية الخروج إلى بغداد، فوضع سلماً وجعل يصعد وينزل، فقيل له، ما تصنع؟ قال: أتعلم السفر.
قال: ودخل الماء إلى كعبه فصاح الغرق، فقيل له في ذلك، فقال: أردت أن آخذ بالوثيقة.
وعنه، دخل على أبي يعقوب وهو يجود بنفسه، فقيل له: قل لا إله إلا الله، فقال: المتقارب:
أمثلي يروع بالنائبا ... ت ويخشى حوادث صرف الزمن
أذلني الله ذل الحم ... ار وأدخلني حر أمي إذن
قال: وطلقت امرأة أبي الهذيل فقالوا له: امض خلف القابلة، فجاءها فقال: امض إلى بيتنا حتى تقبلي امرأتي واحرصي أن يكون غلاماً ولك علي دينار.
عن محمد الداري قال: كان عندنا رجل بدارا وكان فيه غفلة، فخرج من دارا ومعه عشرة أحمر، فركب واحداً وعدها، فإذا هي تسعة، فنزل وعدها فإذا هي
عشرة، فلا زال كذلك مراراً، فقال: أنا أمشي وأربح حماراً خير من أن أركب ويذهب مني حمار، فرأيته يمشي حتى كاد يتلف إلى أن بلغ قريته.
عن المدائني عن عمرو بن الحسن قال: خرج أهل بيت من اليمن من منازلهم حتى صاروا إلى شعب من الجبل، فاختفوا فيه وقالوا: نهرب من شهر رمضان لا يدخل علينا.
قال: وكنا نتماشى في ليلة مقمرة فرأى سنوراً أبيض، أسود الذنب، فقال لي: يا أحمد ما ترى هذه السبيكة التي في طرفها المصباح ترى ممن سقطت؟ وجاء ليأخذها فوثبت عليه ونهشت يده فأفلتها.
كان بسجستان شيخ يتعاطى النحو، وكان له ابن فقال لابنه: إذا أردت أن تتكلم بشيء فاعرضه على عقلك، وفكر فيه بجهدك، حتى تقومه ثم أخرج الكلمة مقومة. فبينما هما جالسان في بعض الأيام في الشتاء والنار تتقد وقعت شرارة في جبة خز كانت على الأب وهو غافل والإبن يراه، فسكت ساعة يفكر ثم قال: يا أبت أريد أن أقول شيئا فتأذن لي فيه؟ قال أبوه: إن حقا فتكلم، قال: أراه حقا، فقال: قل، قال: إني أرى شيئا أحمر، قال: وما هو؟ قال: شرارة وقعت في جبتك، فنظر الأب إلى جبته وقد احترق منها قطعة، فقال للابن: لم لم تعلمني سريعا؟ قال: فكرت فيه كما أمرتني، ثم قومت الكلام وتكلمت فيه، فحلف أبوه بالطلاق أن لا يتكلم بالنحو أبدا.
أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزى
قال منجم لرجل من أهل طرسوس: ما نجمك؟ قال: التيس، فضحك الحاضرون وقالوا: ليس في النجوم والكواكب تيس، قال: بلى، قد قيل لي وأنا صبي منذ عشرين سنة: نجمك الجدي فلا شك أنه قد صار تيسا منذ ذلك الوقت.
وعظ بعض القصاص فقال: إذا كان يوم القيامة خرج من النار رأس عظيم،
من صفته كذا وكذا. وفي المجلس رجل يميد من الخوف فقال له: ما الذي بك أتنكر قدرة الله؟ قال: لا بل إني رجل مزين فلو كلفت حلق هذه الرأس كيف كنت أعمل.
وقال: رأيت أبا محمد السيرافي، وكان طويل اللحية يدعو ربه وقد رفع يديه إلى السماء وهو يقول: يا منقذ الموتى، ومنجي الغرقى، وقابل التوبات، وراحم العثرات، أنت تجد من ترحمه غيري وأنا لا أجد من يعذبني سواك.
وعنه، قال: أخبرني النظام قال: مررت بناحية باب الشام فرأيت شيخاً قاعداً على باب داره وبين يديه حصى ونوى، وهو يسبح ويعد بهما ويقول: حسبي الله حسبي الله، فقلت: يا عم ليس هذا هو التسبيح، قال: كيف هو التسبيح عندك؟ قلت: سبحان الله، قال: يا أحمق هذا تسبيح تعلمته بعبادان منذ ستين سنة أسبح به، فاتركه لقولك يا جهل.