إطلاق النيران في الأفراح .. ظاهرة تقليديّة بالأردن
أضحى إطلاق العيارات النارية، خلال الأفراح والأعراس، في الأردن ظاهرة منبوذة ومتجاوزة وغير مرغوب فيها، تعمل السلطات الأردنية، بمختلف الوسائل، على استئصالها، وخاصة بعد تنامي عدد الضحايا الأبرياء من قتلى ومصابين، وتحويل الأفراح إلى أتراح ومآتم نتيجة الرصاصات الطائشة.
ولئن كانت البلاد قد شهدت في فترات ماضية حملات ودعوات متكررة إلى ترك هذه العادة التي يصفها الكثير من الأردنيين بالبدائية، دون أن يحد ذلك من الظاهرة، فإنه يبدو أن هناك، اليوم، حزما وعزما أكيدين في التعامل بصرامة مع مطلقي العيارات خلال المناسبات (أعراس وحفلات، منها مثلا مناسبات النجاح في الثانوية العامة) بهدف الحد من الحوادث الناجمة عن العيارات الطائشة التي تعكر صفو وطمأنينة العائلات.
ويتفق الكثير من المحللين على أن إطلاق العيارات خلال الأفراح ظاهرة غير حضارية، وإن كانت ذات جذور اجتماعية وثقافية في المجتمع الأردني، حيث كان السلاح، منذ القدم، جزءا لا يتجزأ من شخصية الرجل خاصة حين كان دور الدولة في حماية الأفراد منعدما.
ويربط آخرون ظهور هذه الظاهرة بالحياة في البادية حيث كان إطلاق النيران يشكل إعلانا عن العرس وتباهيا بتنظيمه، مؤكدين أنه من غير المنطقي استمرار هذه العادة حاليا في الحواضر حيث البيوت متقاربة وأعداد من يحضرون الأعراس كبيرة.
والأكيد أن ثمة تصميما، وإن كان البعض يرى أن الأمر لا يعدو أن يكون حملة موسمية، على اجتثاث الظاهرة من خلال العمل على كافة الواجهاتº القانونية الزجرية والتوعوية، خاصة بعد تأكيد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، خلال لقاء له قبل نحو شهر، مع شخصيات ووجهاء العاصمة عمان، على أهمية تطبيق الإجراءات القانونية بحق المخالفين ممن يعرضون حياة الأردنيين للخطر، وتكثيف الحملات التوعوية التي تكشف خطورة الظاهرة وتحفز على الابتعاد عن الممارسات الخاطئة التي تهدد أمن المجتمع.
وقال العاهل الأردني، الذي أشار إلى مشاهدته لفيديو وفاة طفلة نتيجة إطلاق العيارات النارية في المناسبات، "لن نسمح أن يموت طفل آخر نتيجة لذلك"، مؤكدا أن "هناك جدية في التعامل مع هذا الموضوع"، الذي وصفه بأنه "خط أحمر".
وقد كثفت مصالح الأمن الأردنية حملاتها ضد مطلقي النيران في المناسبات الاجتماعية، إلى جانب حملات اجتماعية وتحسيسية لضبط الأسلحة وكل من يحوزها بطرق غير قانونية وتفتيش السيارات في الطرق.
وفي هذا السياق، باشرت مديرية الأمن العام تعزيز إجراءاتها الرقابية والميدانية بشأن تداول وحمل واستخدام الأسلحة النارية من خلال تكثيف جهود وحداتها المختصة، وذلك في ضوء توجيهات وزير الداخلية بالضرب بيد من حديد على مستخدمي الأسلحة النارية بصورة مخالفة للقانون.
وشدد مدير الأمن العام، عاطف السعودي، خلال أحد الاجتماعات، على ضرورة أخذ التعهدات اللازمة من أصحاب الفرح، قبل موعده، بالامتناع عن إطلاق العيارات وتحميل العريس ووالده المسؤولية عن ذلك ضمن إجراءات حازمة وواضحة.
وبادرت السلطات الأردنية إلى إطلاق مبادرة تحت شعار "لا تقتلني بفرحتك"، عرفت استجابة كبيرة من قبل الأفراد والعشائر، إذ تم توقيع العديد من وثائق الالتزام بها تجنبا للطلقات العشوائية التي تودي بأرواح الأبرياء.
ولقيت هذه المبادرة التي أطلقها الأمن العام تجاوبا واسعا من قبل مختلف الشخصيات والعشائر في كافة محافظات البلاد، مما يعكس عزما وإرادة جادة في التخلص من هذه العادة التي انبرت أقلام عديدة للكتابة عن مساوئها وأضرارها، فضلا عن تبيان عدم الحاجة إليها وإمكانية الاستغناء عنها.
ووقع العديد من شيوخ ووجهاء المملكة وثائق شرف بعدم إطلاق العيارات النارية في المناسبات والأفراح، بل لجأت فئات اجتماعية إلى اتخاذ إجراءاتº منها توقيع عرائض جماعية بعدم المشاركة في أي مناسبة يتم فيها إطلاق العيارات النارية ومقاطعتها، والانسحاب منها، مما يشكل حرجا لأصحاب المناسبات ويساهم بالتالي في الحد من هذه الظاهرة.
وفي تفعيل للإجراءات الصارمة بشأن عدم التسامح مع مطلقي العيارات النارية، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على العديد من الأشخاص الذين قاموا بإطلاق عيارات نارية من أسلحة مختلفة في العديد من المناسبات.
ولعل انخراط مختلف المؤسسات والهيئات وفعاليات المجتمع المدني إلى جانب السلطات في رفض استمرار الظاهرة يعد مؤشرا قويا على مدى الجدية في إنهائها، بحيث تحفظ الأرواح وتحقن الدماء التي تراق نتيجة هذه العادة المتجاوزة.
المصدر