الحمد لله الحمد لله الكريم الوهاب أمر بالعدل وحرم الظلم والإرهاب .

واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له عليه توكلت واليه مئاب ، واشهد ان سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا محمداً عبدُالله ورسولُه المصطفى الأوّاب خيرُ نبيِّ ، أُنزل عليه خيرُ كتاب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولي النُهى والألباب والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم المتاب وسلم تسليماً كثيرا .

أما بعد : فاتقوا الله عباد الله ، وعظِّموا أمره واشكروا نِعَمْه وأعظم هذه النعم واجلها الهداية لهذا الدين { بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }الحجرات17 .

أيها المسلمون أيتها المسلمات : لقد جاء هذا الدين نظاماً شاملاً وديناً كاملاً : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }المائدة3

واشتمل هذا الدين على كل ما يحقق للناس سعادة الدارين والنجاة في الحياتين حوى من العقائد أصفاها وأنقاها ومن العبادات أعلاها واسماها ومن الأخلاق أفضلها وأزكاها ، ومن النظم أعدلها وأقواها ، دعا إلى كل ما يحقق مصالح البلاد والعباد في أمور المعاش والمعاد ، من مقاصده العظمى حفظ الدين والأنفس والعقول والأموال والأنساب .

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله :" ان الله سبحانه أرسل رسله وانزل كتبه ليقوم الناس بالقسط ومنَّ الله عليهم بهذه الشريعة التي هي خير كلّها وعدلٌ كلها ورحمةٌ كلها ومصالح كلها ".

إخوة الإسلام : ان الإسلام هو الدينُ الخالد على مر القرون إلى ان يرث الله الأرض ومن عليها ، كتب اللهُ بقاءه وضمن حفظه ، { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9 ، وجعله صالحاً لكل الأزمنة وعموم الأمكنة انه دين الحق والعدل والمحبة والوئام ودين اليسر والرفق والسماحة والسلام لا خير للبشرية الا في ظل تعاليمه ، ولا عز للإنسانية الا بتطبيقه وتحكيمه انه دين المحاسن والفضائل والمكارم يبني كيان الأمة ولا يهدم ويجمع أبنائها ولا يفرق ، يسعى الى التشييد والأعمار لا الى الخراب والدمار ، جاء بقطع دابرِ الجريمة واجتثاث أصول الشر والفساد من قواعده الكبرى جلبُ المصالح ودرءُ المفاسد ، وإزالة الضرر ، وسدُ الذرائع ورفع الحرج ، ومصادره ربَّانيّة وصبغتُهُ عالمية ، ومنهجهُ الاعتدالُ والوسطية ، يهدف الى إقامة الحق والعدل وتزكية النفوس وتهذيب الضمائر ، وتربية أجيال تسعى الى الصلاح و الإصلاح وتنشئة أقوامٍ نافعين لامتهم ومجتمعاتهم إعماراً و بناءً ، اتقاناً وانماءاً . كما كفل هذا الدين حقوق الانسان بجدارة كرمه وأعلى قدره وفضلَّهُ على كثيرٍ من الخلائق تفضيلاً ، رفع مكانته حينما هبطت بمستواه الماديات ، وزكَّى روحَهُ ونفسه حينما أسفَّت به الشعارات واستخفت به الى حضيض البهيميات ووازن بين متطلبات الروح والجسد في تناسقٍ بديع وتكامل فريد ، يربطُ الانسان بغاية وجوده في هذه الحياة وهي تحقيق العبودية التامة لله رب العالمين كما وازن بين حقوق الفرد والمجتمع وضمن الحرية الشخصية في حدود الشرع المطهر ، ونظم علاقة العبد بربه وراعى علاقته مع الاخرين وجمع بين الثبات على الاصول والاهداف والكليات والمرونة في الوسائل والفروع والجزئيات ، وواكب التطورات والمتغيرات والمستجدات ، ولم يقف عاجزاً يوماً ما عن ايجاد الحلول لكل القضايا والمشكلات ذلك لانه من لدن حكيم حميد . {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الملك14 .

ايها المسلمون ايتها المسلمات : وحينما سارت هذه الامةُ على هدى الوحيين دانت لها مشارقُ الارض ومغاربها ، وصنعت بعون الله اعظم حضارةٍ عرفها التاريخ ولله در الصحابي الجليل ربعي بن عامر رضي الله عنه حينما قال :" الله ابتعثنا لنخرجَ من شاءَ من عبادةِ العباد الى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا الى سعتها ومن جور الاديان الى عدل الاسلام" . ولكن يا عباد الله كيف هي الحال الان ؟ لقد أصيبت هذه الامةُ بالوهن في دينها والضعف في عقيدتها والتمزق في وحدتها والنقص في ثوابتها وانبهر بعض ابنائها بشعاراتٍ براقة ونظريات دخيله ، وثقافات وافدة ما جلبت الا الافلاس والدمار وأُبتليت الامةُ باحتلال اراضيها والتحكم بكثير من مقدراتها ، ناهيكم عن الغزو الساخر بشتى صوره عقدياً وفكرياً وسلوكياً وعسكرياً واعلامياً ضد مُثل الامة وقيمها ومبادئها ، وخلفت خُلوف تعرف منهم وتنكر لهم في عالم السياسة والاقتصاد والاجتماع مباديء ، وفي عالم الفكر والثقافة والتربية مشارب . وشُوِّهَ الاسلام من طرفي الافراط والتفريط ومسلك الغلو والجفاء ومن فئتين خطيريتين في الامة فئةٍ علمانيةٍ اباحيةٍ منحرفةٍ في فكرها وثقافتها واعلامها ، وفئةٍ غاليةٍ حمقاء لا تؤمن الا بالعنف مسلكاً والتكفير منهجاً وسفك الدماء للتغيير والاصلاح ، زعموا طريقاً ويأبى اللهُ ثم يأبى المؤمنون ان يكون هذا المسلك المشين في ترويع الآمنين وزعزعة حياة المطمئنين والاضرار بالمسلمين والمعاهدين المستأمنين ، وسلوك مسالك العنف والاعتداءات واعمال التخريب والتفجيرات هيهات ان يكون هذا طريقاً الى جلب الخير والسعادة والاصلاح للمجتمعات ولهذا فإن العالم اليوم يضُّج من ظاهرةٍ عالميةٍ خطيرة ، تفُظُ المضاجع وتجعل الديار بلاقع ، هي مأساة العصر الحاضر وكفى . انها ظاهرة الارهاب ، فما حقيقته واسبابه ومظاهره واشكاله وأخطارُهُ وآثاره ثم ما هي طريقة علاجه واذا كان هذا الحكم على الشيء فرعاً عن تصوره ، فان حقيقته تكمن في كل عملٍ يجلبُ الرهبة والإخافة للافراد والمجتمعات من غير ما مسوغٍ شرعي صحيح واسبابه كثيرة اهمها ضعف الوازع وقلة الرادع والجهل والحمق والكيد وافرازات تربية على مناهج مشبوهة ، والنظرة الضيقةُ العجلى للاخرين ، مع ما يوجد في الامة والمجتمعات من شتى التناقضات والازدواجية في بعض المجالات ، ان هذه الظاهرة ايها الاحبة لم تَعُد محدودةً او فرديه بل تجاوزت ذلك الى التنظيم الاجرامي المسلح ، والعدوان الجماعي الصارخ ، وتجردت خلاياه الممقوته وشبكاته المأفونه من اقل معاني الانسانسة والقيم الدينية والمثل الاخلاقية والسلوكية ، واشنع من ذلك حينما يكون اربابه مرتدين لباس الدين ومتسترين بزي المسلمين ويلصقون اعمالهم الارهابية بإسم الاسلام والاسلام الحق بريءٌ من ذلك كله ، فنصوصه الشرعية ومقاصده المرعية جاءت بتحريم قتل الانفس المعصومة وازهاق الارواح وتدمير الممتلكات والاعتداء على الاموال والحقوق العامة والخاصة والسعي في الارض بالفساد ،{ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ }البقرة205 ،ونهى عن سلوك مسالك العنف والفضاضة والغلظة ،{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ }آل عمران159 ، وفي الصحيح عند مسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من يحرم الرفق يحرم الخير كله" .

ايها المسلمون ايتها المسلمات : لقد بُليت الامة في اعقاب هذا الزمن بكثرة الهرج وهو القتل فكم نسمع من صور الترويع والارهاب واخبار الفوضى والدمار والاضطراب ، تخريب وتفجيرات ، اختطاف واغتيالات ، نسفٌ لعامر البنايات ، وتدمير لعام الممتلكات ، فكم اهلكت من نفوس والحقت من اضرار ودمرت من عمار واحدثت قتلى وجرحى ومشوهين وثكالى ويتامى ومصابين ومعاقين ، يعملُ لذلك اقوامٌ ذو نفوس ٍ مريضه وضمائر ميته وذممٍ ضعيفه ، أهل لؤمٍ وخسةٍ ودنائةٍ واجرام أي دينٍ وعقلٍ وعُرفٍ يقرُّ هذه الاعمال الشنيعة ، بل اين المرؤةُ والرحمة والانسانية ، أي قلب هذا الذي يستهين بالانفس والممتلكات واي عقل هذا الذي يُقبل على الاضرار بالآمنين بل أي نفسٍ تلك التي تلذ بسفك الدماء وتناثر الاشلاء ،{ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ }يونس81 . قال تعالى : { مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً }المائدة32 .

ايها الاخوة ايتها الاخوات : ان الارهاب ممقوتٌ بكل صوره واشكاله بعيدٌ كل البعد عن جوهر الاسلام ونبل مقاصده وسمو تشريعاته كما انه بعيد عن اخلاقيات المسلمين وسلوكهم الحسن ، انه لا بد من تجفيف منابع الارهاب بشتى صوره بما في ذلك الارهاب الفكري والاخلاقي والاعلامي انه لا بد من البحث بجدية عن اسبابه وعوامل وجوده واتخاذ الية سليمة لوقف امتداده ومنهجيةٍ صحيحة تقوم على العلم والبيان والحجة والبرهان وتستنيرُ بنور التعقل بالامور واتخاذ الحكمة بالمواقف وضبط النفوس بأعمة النظر العميق وإثار المصالح العامة ، كما يجب ان ترتبط الاجيالُ الناشئة بعلماء الشريعة الموثوقين ومعالجة التناقض والازدواجية التي تعيشها الامة في كثير من مجالاتها ومن المسّلمات ايها الاخوة ليرى اهل الاختصاص ان الارهاب لا عقيدة له ولا وطن له كما ان العنف لا يعالج بمثله ولا بمكيال مزدوج ولا بردود الافعال ولا يجوز ابداً ان يحمل الاسلام وأهله مطيةَ الارهاب ويصورون على انهم سبب التصادم الحضاري وفي نهاية المطاف لا يصح الا الصحيح والله المستعان .

فلنتقي الله يا عباد الله ، وليقم كل منا بواجبه تجاه دين الله ولنكن اعيناً ساهرةً في خدمة ديننا والحفاظ على امن بلادنا ومجتمعاتنا من عبث العابثين وكيد العائدين وسفه الجاهلين نفعني الله واياكم بالقرآن العظيم وبهدي سيد المرسلين .

أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة
فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم



العقيد الدكتور الشيخ

مفتي الدفاع المدني

محمد أحمد الغول